بأبي أنت وأمي يا رسول الله ,
تدلهم على الناس الخطوب وتفجؤهم المصائب الكبيرة فإذا تأملوها حق التأمل وجدوا فيها من فضل الله وإحسانه ما تعجز الألفاظ عن التعبير عنه لقد فوجئ المسلمون بحفنة من الحاقدين النصارى الذين أعمى بصيرتهم شعاع الحق الظاهر من دين الإسلام الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده ولم يرض دينا سواه فذهب هؤلاء المنكوسين يفرغون حقدهم وضلالهم في العيب والذم لرسول الله تعالى الذي أرسله ربه ليخرج الناس من الظلمات إلى النور لقد كانت فاجعة وأي فاجعة ومصيبة وأي مصيبة لكن جعل الله من ذلك فرصة عظيمة للمسلمين لبيان حبهم لدينهم وشدة تمسكهم به وبذل الغالي والنفس والنفيس للذود عن حبيبهم ومهما كتب الكاتبون ومدح المادحون ونافح المنافحون فلن يستطيعوا أن يوفوه حقه اللائق به صلى الله عليه وسلم ولكنها كلمات يكتبها المسلم المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليعبر بها عن بعض ما بداخله وليؤدي جزءا مما يجب عليه نحوه كيف لا وقد أخرجنا الله تعالى به من الظلمات إلى النور وهدانا به الصراط المستقيم فمن أقل ما يجب علينا أن ننتهز هذه الفرصة لنعبر عما يجيش بصدورنا تجاه هذا الرسول الأكرم الذي لم تعرف له البشرية نظيرا أو مدانيا وما مثل الكاتبون ومثل سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا كمثل رجل دخل بستانا مثمرا من كل أنواع الثمار التي تحبها النفوس وتشتهيها وذلك وقت نضجها فلم يدر من شدة جمالها وحسنها ماذا يأخذ وماذا يدع.
كيف كان العالم قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم :
كان العالم كله يعيش في ظلمات الجهل والضلالة والشرك إلا عددا قليلا جدا ممن حافظ على دينه من أهل الكتاب فلم يحرفوه أو يقبلوا تحريفه ممن قام به يقول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم :إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال :إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان.. الحديث فهذا الحديث يصور الحالة البشعة التي كان عليها العالم قبل مبعث خير البرية حيث استوجبت من الله تعالى أشد البغض وهذا لا يكون إلا مع الانغماس التام في الضلالة والبعد عن سنن الرشاد.
فقد كان العرب يئدون البنات ويحرمون أشياء مما رزقهم الله تعالى بغير حجة أو برهان قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام : قد خسر الّذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرّموا ما رزقهم اللّه افتراء على اللّه قد ضلّوا وما كانوا مهتدين [الأنعام :140] وكانوا يأكلون الميتة ويشربون الدم كما قال الله تعالى مبينا حالهم وآمرا رسوله أن يقول لهم : قل لاّ أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دما مّسفوحا أو لحم خنزير فإنّه رجس أو فسقا أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فإنّ ربّك غفور رّحيم [الأنعام :145] وفوق ذلك كله كانوا مشركين يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله ويحرمون على أنفسهم الاستفادة من بعض حيواناتهم ويجعلون إنتاجها للطواغيت كما نعى الله عليهم ذلك في قوله :ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون [المائدة :103] ولم يكن أهل الكتاب بأحسن حالا منهم فحرفوا كتابهم المنزل على رسولهم وافتروا على الله الكذب وأشركوا بالله وادعى اليهود أن لله تعالى ولدا كما ادعت النصارى أن لله تعالى ولدا :وقالت اليهود عزير ابن اللّه وقالت النّصارى المسيح ابن اللّه ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون[التوبة :30 ] تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى قال الله تعالى في وصف ذلك : اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا مّن دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلها واحدا لاّ إله إلاّ هو سبحانه عمّا يشركون [التوبة :31] ولم يكونوا يتناهون عن المنكرات التي تحدث بينهم كما قال الله عنهم :لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وّكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن مّنكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون [المائدة :78-79] وكانوا المجوس يعبدون النار ويستحلون نكاح المحارم فينكح الرجل منهم أخته أو ابنته وبالجملة فقد كان العالم في ظلام دامس وشرك وضلال حتى جاءهم الرسول الكريم بالرسالة الشاملة الهادية إلى صراط مستقيم فبأبي أنت وأمي يا رسول الله.
وبعد فهل وفيت حق الرسول صلى الله عليه وسلم لا وألف لا بل ولا قطرة في بحر حقه وفضله فبأبي أنت وأمي يا رسول الله اللهم إنا قد أحببنا نبيك وأصحاب نبيك فاللهم احشرنا في زمرتهم
.